نظرة شرعية في شاعر المليون
د. طارق بن محمد الطواري
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين ، وبعد
فقد تسابقت الدول الخليجية وقنواتها الخاصة إلى الإسهام في إبراز بعض معاني التراث العربي القديم من خلال إحياء بعض العادات القديمة كالسجال الشعري وشعر القلطة والدحّه وقصيدة التحدي وشاعر المليون دولار
، وعلى غرارها شاعر المليون وشاعر العرب وأمير الشعراء بما فيها من شعر فصيح ونبطي ، كما أقيمت مسابقات لإحياء الفروسية والخيل عدواً وتحملاً وسباقات ... إلخ ، ووضعت لأجل الفائز فيها أموالاً طائلة أثبت الشباب فيها قدرتهم الكلامية ومحافظتهم على الموروث القديم واتضح المخزون الشعري الكبير لديهم ، لكن ثمة ملحوظات شرعية وليست عاطفية على ما يسمى بمسابقة شاعر المليون .
أولاً : لقد أضحت النعرة الجاهلية والنخوة القبلية هي اللغة السائدة في قصائد كل الشعراء دون استثناء مما يؤكد جاهلية هذا الخلق لقوله صلى الله عليه وسلم ( ثنتان في أمتي من أمور الجاهلية الطعن في الأنساب والتفاخر في الأحساب ) ناهيك عما ما يلحق هذا المديح من الكذب والمبالغة والتنقص بالآخرين ، وتهيج العصبيات الأخرى والدعوى إلى حميّة الجاهلية الأولى من خلال التصويت لابن قبيلتهم دون غيره وكل ذلك إحياء للعصبيات الجاهلية التي أماتها الإسلام وقضى عليها ، نعم ليس عيباً أن يعتز الإنسان بنسبه وقبيلته لكن جاء النسب الأكبر الذي على أساسه بني الإسلام إنها أخوة الدين " إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم " " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض " ( المؤمنون أولياء بعض وهم يد على من سواهم ) ولذا كانت لحمة الإسلام وأخوة الإيمان أقوى من كل لحمة تجمع الحر والعبد والأبيض والأسود والعربي والعجمي فهي أعظم من كل أخوة .
ثانياً : إن الوقت محسوب على الإنسان وهو جزء من حياته والذي يقال في إضاعة الوقت في متابعة مباريات كرة القدم هو نفسه يقال في إضاعة الوقت في متابعة ومشاهدة مثل هذه البرامج ، إن قناة كاملة ببثها المتواصل خُصصت لهذا المسابقات والناس في تواصل معها على مدار الساعة وهذا لا شك فيه من ضياع الأوقات والأعمال ، ولا تقُل إن متابعة هذه القناة أهون من غيرها فأقول نعم أهون إثماً لكن غيرها أثمن منها وأفضل .
ثالثاً : إن أخذ مبالغ مضاعفة على المكالمات لأجل التصويت لأحد المرشحين فيه أكل لأموال الناس بالباطل وهو شبيه بالقمار الذي فيه غُنم وغرم فبعد الاتصال بسعر مضاعف قد تغنم ويفوز صاحبك وقد تغرم ويخسر مرشحك .
رابعاً : قد لا تصدق مدى الفتنة التي أحدثها هؤلاء الشعراء هداهم الله إلى أقوم طريق وأصوب صراط من تأثير بالنساء وإعجاب ومتابعة وإحداث نشوة الغزل والعشق والهيام وتحريك المشاعر والعواطف ودغدغة الأحاسيس وتهيج النفوس بما جعل الفتيات والأمهات والبنات وخصوصاً من يفهم ويطرب للشعر النبطي يهيمون عشقاً بهذا البرنامج وشعرائه مما هو فساد ظاهر بين لا يجوز ، كيف وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم حادي الإبل أنجشه فقال له ( يا أنجشه رفقاً بالقوارير ) ولها معنيان إما رفقاً بالقوارير من أن تتأثر بصوت حدائك وغنائك ، وإما رفقاً بالقوارير وهم النساء على الهوادج من السقوط إذا تحركت الإبل وطربت لصوتك ، ومعلوم أن المرأة منهية عن أن تخضع بالقول لكي لا يطمع فيها من بقلبه مرض وكذلك الرجل لا يلين لها لكي لا يحرك قلبها .
خامساً : لا تخلوا هذه المسابقات من وجود نساء متسابقات صوتهن عورة وظهورهن بين الرجال عورة مع وجود الغناء المستمر والطرب الدائم في التواصل مما يظفي الحرمة على هذه الأفعال .
سادساً : لقد تخللت هذه المسابقات استضافة شعراء اشتهروا بالمجون وقلة الأدب والحياء وهتك أستار الأخلاق ممن يصفون أجساد النساء أو يروون قصص غرامهم وعشقهم وفيها نشر ظاهر للفاحشة ويصدق عليهم قوله تعالى " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين أمنوا لهم عذاب أليم " ناهيك أن الشعراء يتبعهم الغاوون وأنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون .
سابعاً : إن إدمان مشاهدة النساء للرجال يورث التعلق بهم واحتقار أزواجهم وإخوانهم والإعجاب بالغرباء لما رأوا منهم من ألوان الإبداع ، كما هو الحال في الرجال وإدمانهم على مشاهدة النساء يورث احتقار الزوجات والأخوات وإعجابهم بهن لما رأوا منهن من ألوان الفتنة والإغراء وكل ذلك ممنوع شرعاً بقوله تعالى " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم " " وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن " .
ثامناً : إن إحياء مثل هذه المسابقات هو إحياء للجاهلية الأولى وسوق عكاظ وسوق ذي المجاز وسوق مجنة التي أماتها الإسلام وإحيا بدلها الاهتمام بالقرآن الكريم نعم لقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من شاعر يجبب ويرد على شعراء الوفود بما يظهر عظمة الإسلام فقط ، لكن لم يكن الإسلام ليجمع الناس بأخوة الإيمان ويترك نعرات الجاهلية قائمة بينهم ، بل إن فحول الشعراء لما جاءهم الإسلام انخرسوا ولم يتلفظوا بشعر لعظمة القرآن ومن ذلك كتب عمر بن الخطاب إلى لبيد بن ربيعة صاحب المعلقة يطلب منه شعر يحرض فيه العرب على الجهاد فكتب له سورة الأنفال أو البقرة وقال
الحمد لله الذي لم يأتني أجلي *** حتى اكتسيت من الإسلام سربالاً .
تاسعاً : إن معظم الشعر الذي يقال يدور حول النفس والقبيلة والحب والعشق والغرام ، ونادر من تراه يبكي هموم أمته أو يظهر النياحة على واقع ضياع الدين في نفوس الشباب وفاقد الشيء لا يعطيه فما هو حظ قضية فلسطين والشيشان وأفغانسان والعراق والغزو الثقافي والاقتصادي والانحراف الأخلاقي والسلوكي من قصائد هؤلاء ، بل ما هو نصيب همومنا في الداخل من العنوسة والطلاق والبطالة وغلاء الأسعار والاستبداد والظلم والرشوة وتضخم العمالة والطبقية من قصائد هؤلاء الشعراء ، بل ما هو حق الصلاة والصوم والحج والزكاة وأركان الإسلام وأركان الإيمان وحسن الخلق والشريعة الإلهية والنبي صلى الله عليه وسلم ونصرته من شعر هؤلاء ، إن الهدف هو شيء واحد امتدح نفسي وقبيلتي لأبرز وأظهر ويصوت لي وأحصل على
( البيرق ) ثم المليون وصدق الله إذ يقول " يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون "
وختاماً لا ننقص من قدر أحد ونثمن الطاقات الكبيرة والمخزون العظيم لدى الأمة في شبابها ونخوتهم الكبيرة التي يحب أن توجه لنصرة دينهم ونبيهم وقضاياهم العادلة وهم أهلٌ لذلك إن شاء الله تعالى ، اللهم ردنا إلى الإسلام رداً جميلاً وأجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم لقاك...
إليه وإلا لا تشد الركائب *** ومنه وإلا فالمؤمل خائب
وفيه وإلا فالغرام مضيع *** وعنه وإلا فالمحدث كاذب
وصلـى اللـه علـى نبينــا محمـد وعلـى آلـه وصحبـه وسلـم ،،،
د. طارق بن محمد الطواري
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين ، وبعد
فقد تسابقت الدول الخليجية وقنواتها الخاصة إلى الإسهام في إبراز بعض معاني التراث العربي القديم من خلال إحياء بعض العادات القديمة كالسجال الشعري وشعر القلطة والدحّه وقصيدة التحدي وشاعر المليون دولار
، وعلى غرارها شاعر المليون وشاعر العرب وأمير الشعراء بما فيها من شعر فصيح ونبطي ، كما أقيمت مسابقات لإحياء الفروسية والخيل عدواً وتحملاً وسباقات ... إلخ ، ووضعت لأجل الفائز فيها أموالاً طائلة أثبت الشباب فيها قدرتهم الكلامية ومحافظتهم على الموروث القديم واتضح المخزون الشعري الكبير لديهم ، لكن ثمة ملحوظات شرعية وليست عاطفية على ما يسمى بمسابقة شاعر المليون .
أولاً : لقد أضحت النعرة الجاهلية والنخوة القبلية هي اللغة السائدة في قصائد كل الشعراء دون استثناء مما يؤكد جاهلية هذا الخلق لقوله صلى الله عليه وسلم ( ثنتان في أمتي من أمور الجاهلية الطعن في الأنساب والتفاخر في الأحساب ) ناهيك عما ما يلحق هذا المديح من الكذب والمبالغة والتنقص بالآخرين ، وتهيج العصبيات الأخرى والدعوى إلى حميّة الجاهلية الأولى من خلال التصويت لابن قبيلتهم دون غيره وكل ذلك إحياء للعصبيات الجاهلية التي أماتها الإسلام وقضى عليها ، نعم ليس عيباً أن يعتز الإنسان بنسبه وقبيلته لكن جاء النسب الأكبر الذي على أساسه بني الإسلام إنها أخوة الدين " إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم " " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض " ( المؤمنون أولياء بعض وهم يد على من سواهم ) ولذا كانت لحمة الإسلام وأخوة الإيمان أقوى من كل لحمة تجمع الحر والعبد والأبيض والأسود والعربي والعجمي فهي أعظم من كل أخوة .
ثانياً : إن الوقت محسوب على الإنسان وهو جزء من حياته والذي يقال في إضاعة الوقت في متابعة مباريات كرة القدم هو نفسه يقال في إضاعة الوقت في متابعة ومشاهدة مثل هذه البرامج ، إن قناة كاملة ببثها المتواصل خُصصت لهذا المسابقات والناس في تواصل معها على مدار الساعة وهذا لا شك فيه من ضياع الأوقات والأعمال ، ولا تقُل إن متابعة هذه القناة أهون من غيرها فأقول نعم أهون إثماً لكن غيرها أثمن منها وأفضل .
ثالثاً : إن أخذ مبالغ مضاعفة على المكالمات لأجل التصويت لأحد المرشحين فيه أكل لأموال الناس بالباطل وهو شبيه بالقمار الذي فيه غُنم وغرم فبعد الاتصال بسعر مضاعف قد تغنم ويفوز صاحبك وقد تغرم ويخسر مرشحك .
رابعاً : قد لا تصدق مدى الفتنة التي أحدثها هؤلاء الشعراء هداهم الله إلى أقوم طريق وأصوب صراط من تأثير بالنساء وإعجاب ومتابعة وإحداث نشوة الغزل والعشق والهيام وتحريك المشاعر والعواطف ودغدغة الأحاسيس وتهيج النفوس بما جعل الفتيات والأمهات والبنات وخصوصاً من يفهم ويطرب للشعر النبطي يهيمون عشقاً بهذا البرنامج وشعرائه مما هو فساد ظاهر بين لا يجوز ، كيف وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم حادي الإبل أنجشه فقال له ( يا أنجشه رفقاً بالقوارير ) ولها معنيان إما رفقاً بالقوارير من أن تتأثر بصوت حدائك وغنائك ، وإما رفقاً بالقوارير وهم النساء على الهوادج من السقوط إذا تحركت الإبل وطربت لصوتك ، ومعلوم أن المرأة منهية عن أن تخضع بالقول لكي لا يطمع فيها من بقلبه مرض وكذلك الرجل لا يلين لها لكي لا يحرك قلبها .
خامساً : لا تخلوا هذه المسابقات من وجود نساء متسابقات صوتهن عورة وظهورهن بين الرجال عورة مع وجود الغناء المستمر والطرب الدائم في التواصل مما يظفي الحرمة على هذه الأفعال .
سادساً : لقد تخللت هذه المسابقات استضافة شعراء اشتهروا بالمجون وقلة الأدب والحياء وهتك أستار الأخلاق ممن يصفون أجساد النساء أو يروون قصص غرامهم وعشقهم وفيها نشر ظاهر للفاحشة ويصدق عليهم قوله تعالى " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين أمنوا لهم عذاب أليم " ناهيك أن الشعراء يتبعهم الغاوون وأنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون .
سابعاً : إن إدمان مشاهدة النساء للرجال يورث التعلق بهم واحتقار أزواجهم وإخوانهم والإعجاب بالغرباء لما رأوا منهم من ألوان الإبداع ، كما هو الحال في الرجال وإدمانهم على مشاهدة النساء يورث احتقار الزوجات والأخوات وإعجابهم بهن لما رأوا منهن من ألوان الفتنة والإغراء وكل ذلك ممنوع شرعاً بقوله تعالى " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم " " وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن " .
ثامناً : إن إحياء مثل هذه المسابقات هو إحياء للجاهلية الأولى وسوق عكاظ وسوق ذي المجاز وسوق مجنة التي أماتها الإسلام وإحيا بدلها الاهتمام بالقرآن الكريم نعم لقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من شاعر يجبب ويرد على شعراء الوفود بما يظهر عظمة الإسلام فقط ، لكن لم يكن الإسلام ليجمع الناس بأخوة الإيمان ويترك نعرات الجاهلية قائمة بينهم ، بل إن فحول الشعراء لما جاءهم الإسلام انخرسوا ولم يتلفظوا بشعر لعظمة القرآن ومن ذلك كتب عمر بن الخطاب إلى لبيد بن ربيعة صاحب المعلقة يطلب منه شعر يحرض فيه العرب على الجهاد فكتب له سورة الأنفال أو البقرة وقال
الحمد لله الذي لم يأتني أجلي *** حتى اكتسيت من الإسلام سربالاً .
تاسعاً : إن معظم الشعر الذي يقال يدور حول النفس والقبيلة والحب والعشق والغرام ، ونادر من تراه يبكي هموم أمته أو يظهر النياحة على واقع ضياع الدين في نفوس الشباب وفاقد الشيء لا يعطيه فما هو حظ قضية فلسطين والشيشان وأفغانسان والعراق والغزو الثقافي والاقتصادي والانحراف الأخلاقي والسلوكي من قصائد هؤلاء ، بل ما هو نصيب همومنا في الداخل من العنوسة والطلاق والبطالة وغلاء الأسعار والاستبداد والظلم والرشوة وتضخم العمالة والطبقية من قصائد هؤلاء الشعراء ، بل ما هو حق الصلاة والصوم والحج والزكاة وأركان الإسلام وأركان الإيمان وحسن الخلق والشريعة الإلهية والنبي صلى الله عليه وسلم ونصرته من شعر هؤلاء ، إن الهدف هو شيء واحد امتدح نفسي وقبيلتي لأبرز وأظهر ويصوت لي وأحصل على
( البيرق ) ثم المليون وصدق الله إذ يقول " يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون "
وختاماً لا ننقص من قدر أحد ونثمن الطاقات الكبيرة والمخزون العظيم لدى الأمة في شبابها ونخوتهم الكبيرة التي يحب أن توجه لنصرة دينهم ونبيهم وقضاياهم العادلة وهم أهلٌ لذلك إن شاء الله تعالى ، اللهم ردنا إلى الإسلام رداً جميلاً وأجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم لقاك...
إليه وإلا لا تشد الركائب *** ومنه وإلا فالمؤمل خائب
وفيه وإلا فالغرام مضيع *** وعنه وإلا فالمحدث كاذب
وصلـى اللـه علـى نبينــا محمـد وعلـى آلـه وصحبـه وسلـم ،،،